التربية الاجتماعية هي عملية إعداد الطفل إعدادا اجتماعيا من خلال تقوية وتنمية تلك القوى المسئولة عن جعله إنسانا قادرا على بناء علاقات سوية مع الآخرين, وجعله كذلك متقبلا من قبل الآخرين, وبالتالي فان الطفل بذلك ينتقل من الحياة الفردية إلى الحياة الجماعية. إن هذه القوى تتمثل بتنمية الشعور بالثقة بالنفس والقدرة على الاستقلالية الفردية واتخاذ القرار بجرأة, والانفتاح على الآخر وتقبل الآخر, وتطوير الشعور بالانتماء والولاء بمختلف مستوياته سواء للأسرة أو الوطن أو الأمة من أجل التأكيد على وضوح الهوية, وكذلك استشعار ضرورة العمل والمواظبة والمبادأة من أجل زيادة الإنتاج والإنجاز.
من الضروري التنويه والتأكيد أن هذه القوى الاجتماعية - كما حال كل القوى الأخرى التي تم الحديث حولها- يبدأ ترسيخها في شخصية الإنسان منذ السنوات الخمس الأولى من عمره. فهب أن أما لا تشرك طفلها ذا السنوات الأربع مثلا بمعظم الزيارات الاجتماعية التي تقوم بها بغية التمتع بالجلوس مع الآخر دون إزعاج الأطفال كما يقولون. فماذا نتوقع أن تكون شخصية هذا الطفل؟ هل يمكن أن يكتسب كيفية بناء العلاقات جراء انعزاله في البيت أو بقائه مع أخوته معظم الوقت؟ هل يمكن أن يطور مهارات الحوار والحديث والجرأة في طرح الآراء والأفكار؟ أعتقد أن المسألة ستكون صعبة في ظل هذا الواقع الذي يتم فيه عزل الطفل أو عدم إعطائه الفرصة الكافية للاختلاط بالآخرين.
ولكن بالمقابل هب أن أما تأتيها ضيفة إلى البيت فتسرع إلى ابنها الصغير ليستقبل الضيفة معها, وتدعوه إلى السلام عليها وتحيتها, فتعلمه بذلك كيفية الاستقبال والتحية والمجاملة الصادقة. وبعد ذلك تسمح له بالاستماع إلى ما هو مفيد من الكلام الطيب, فيعلم أن بناء العلاقات ما هو إلا لشيء نبيل يفتخر لأجله البشر. وبعد كل هذا وكي يتعلم الطفل أن هناك خصوصية بين الكبار فان الأم ستدعو طفلها إلى الذهاب للعب بما يناسبه ليترك الأم مع ضيفتها لخصوصيتهما. إن مثل هذا الأسلوب هو الذي يخرج طفلا قادرا على التعامل مع الآخر مستقبلا. وان الحياة بحاجة إلى مهارة وقدرة فائقة للتعامل مع هذه المواقف كي نرسم مستقبلا ناجحا لأطفالنا.
من هنا فعلى أولياء الأمور والمربين ابتداءا أن يهيئوا الجو الايجابي المبني على روح التفاهم والتعاون بين الأب والأم أولا ثم بين الوالدين والأبناء ومن ثم بين الأبناء أنفسهم. إن هذا الجو الاجتماعي الايجابي هو الذي سيعمل على صنع أفراد قادرين على بناء علاقات منضبطة وسوية وبالتالي قادرين على التعامل مع الآخرين بنجاح. إن العمل – وبأسلوب مخطط له - على ارتباط الطفل بعلاقات مع الآخرين والعمل أيضا على تنميتها بطريقة متوازنة كفيل أن يخرج أطفال قادرين على مواجهة تحديات المستقل. بهذه المنهجية نستطيع أن نعد أطفالنا اجتماعيا, ونعمق في شخصياتهم مهارة بناء العلاقات مع الآخرين ومهارة التواصل والتفاهم معهم وفق أسس سليمة.