ابتداءا أود التأكيد على أن الترويح والترفيه عن نفس الطفل هو جزء أساسي من جوانب التربية الهامة, والتي تقوم عليها عملية التكامل في التربية. وأؤكد كذلك أنها تسمى تربية ترويحية وأحيانا تسمى تربية ترفيهية, فهي عملية تربوية هادفة ومقصودة ومنضبطة بحسب انضباط باقي جوانب التربية. إنها ليست أنشطة كمالية كما يعتقد البعض, فان تمت فبها ونعمت, وان لم تتم فلا بأس لفقدانها. إن نفسية الطفل تكل وتمل بسرعة, وبالتالي فهي بحاجة دوما إلى ما يزيل الملل والكدر والضنك أحيانا, كي تتم عملية بناء الشخصية الإنسانية السوية بطريقة سليمة ومتوازنة وشاملة.

 

وتهدف التربية الترويحية إلى الإبقاء على حيوية الحياة ونضارتها والعمل على صنع التكامل النفسي والاجتماعي والوجداني والإيماني, من خلال مختلف الأنشطة الهادفة سواء كانت البدنية أو الفكرية أو الثقافية أو مجرد الترفيهية, بحيث لا تتعارض مع مبادئنا الدينية, كي لا تؤثر سلبا على الشخصية المسلمة. وان ذلك لا يتعارض مع الدين البتة ما دام يعين على أداء العبادات بنشاط بعد الترويح عنها. يقول الله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا". ويقول صلى الله عليه وسلم: "وإن لبدنك عليك حقًا, وإن لأهلك عليك حقًا, فأعط كل ذي حق حقه". وان هذا البدن يستحق بل ويحتاج إلى وقت للراحة والاستجمام والترفيه والترويح. وما دامت تلك حاجة عند الإنسان فهي أكثر إلحاحا عند الطفل. فان لم تتم إعانة هذا الطفل على تلبية هذه الحاجة فانه سيلبيها بطريقته الخاصة, إن بالإزعاج وكثرة الحركة غير المنضبطة, أو بالترويح غير البريء الذي سيوقع الطفل في إشكاليات أخلاقية يصعب السيطرة عليها مستقبلا.

 

بهذا الصدد فان على أولياء الأمور أساسا أن يخططوا لمثل هذا النوع من التربية من غير أن يتركوه عفويا للظروف سواء تم أم لم يتم. إن الذهاب إلى رحلة مهما كانت قصيرة تعني الكثير للأطفال. وان مشاركة الأب والأم طفليهما باللعب معه يعني الكثير له أيضا. مشاهدة التلفاز كذلك ولكن بقدر وانضباط وتوجيه هي أيضا نوع من الترويح البريء. ولكن أي نوع من البرامج وعلى أي نوع من الفضائيات. على الوالدين التدقيق والتوجيه والمراقبة كي لا ينفلت الأمر من بين أيديهم فيصعب التقويم آنذاك.

 

ما دام الترويح ينبغي أن يكون هادفا فعلى أصحاب القرار الانتباه إلى ما يقدموه لأبنائهم. فها هو عمر بن الخطاب يقول مناشدًا الآباء والمربين "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل". فكم هي الفائدة جمة في مثل هذه الألعاب. إنها تجمع بين التربية الجسمية والتربية الترويحية في آن واحد. كم من آبائنا استطاع أن يصنع من القراءة والمطالعة متعة ترويحية تسعد الأبناء. بالتحفيز والتعزيز والتشجيع والمشاركة الفعلية يستطيع ولي الأمر أن ينجح في ذلك فنرفع من سوية العقل والنفس معا.