إن عملية تربية الوجدان مرتبطة ارتباطا وثيق الصلة بتربية الإرادة والتصميم والعزيمة عند الإنسان. وتلك بدورها متصلة بتكوين الثقة بالنفس التي يفقدها كثير من أطفالنا. إن أطفالنا بحاجة ليعرفوا قدر نفوسهم عند الآخرين سواء كان ذلك احتراما وتقديرا أو إنزالهم منزلتهم التي تليق بهم أو العمل على تهيئتهم لمستقبلهم المنشود. يقول الأستاذ الدكتور عبد الحميد أبو سليمان في كتابه "أزمة الإرادة والوجدان والمسلم": "إن غياب الخطاب النفسي العلمي التربوي الذي لا بد منه لبناء نفسية الطفل قد أدى إلى خلل في تكوين البعد النفسي الوجداني لدى الطفل المسلم, مما جعله ينمو إنسانا بالغا مفتقدا لدفع البعد الوجداني الفعال اللازم لتحريك الطاقة, وبذل الجهد, وتوفير الأداء الايجابي (الإرادة), الذي يعد شرطا ضروريا لتملك القدرة على التصدي للتحديات التي تواجه الأمة والمجتمع بشكل ناجح فعال". إن البناء الوجداني لشخصية الطفل هو مفتاح البناء الحقيقي لنفسيته وإرادته وعقليته, وبالتالي يتمكن من بناء إنجازاته ونجاحاته في شتى الصعد ومختلف المجالات. وإذا ما قلنا أن بناء الأمة وتهيئتها لتقود العالم يبدأ من الطفولة, فان الاهتمام بهذا الخطاب النفسي والوجداني سيكون له الأثر الكبير في عملية البناء هذه.
إن بناء علاقة ايجابية وثيقة بين الوالدين أو المربين مع الأطفال عن طريق استخدام مبدأ الحوار الهادئ مع الطفل كمنهجية للتعامل معه هو الذي يصنع النفسية السليمة والعقلية الصافية القادرة على الإنجاز. إن احترام آراء الأطفال وخاصة أمام الآخرين هو الذي يؤكد على كينونتهم وذواتهم, والنتيجة هي بناء سام ورفيع لنفسياتهم. وان إضفاء روح التفاهم والتعاون والتكافل بين أفراد الأسرة الواحدة ليعتبر ضمانة لإخراج شخص بنفسية منفتحة وايجابية. إن تلبية رغبات الطفولة البريئة كذلك من لعب ومرح وترفيه وتسلية منضبطة هي أيضا تساعد على البناء السليم للوجدان الطفولي. بهذه الطرق وحدها بعيدا عن التشنج في العلاقة والتشدد والكبت والدكتاتورية المقيتة في التعامل مع الآخر نستطيع أن ننجح في صنع النفسية والوجدان السليم في أطفالنا.
ولكن كل هذه الوجدانيات في شخصية الطفل ينبغي أن تبنى ضمن ضوابط محددة ومقننة دون إفراط أو تفريط. ورسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه يؤكد هنا بقوله: "أحبب حبيبك هونا ما, عسى أن يكون بغيضك يوما ما, وابغض بغيضك هونا ما, عسى أن يكون حبيبك يوما ما". إن ذلك هو المنهج السليم في النظر إلى العواطف والمشاعر بمنتهى الانضباط والتوازن والاعتدال. إن من أهم الأسباب وراء مشكلات الشباب العاطفية في مرحلة المراهقة وما بعدها هو عدم قدرة المؤسسات التربوية على صقل وضبط وجدانيات الطفولة منذ السنوات الأولى. ولنضرب لذلك مثلا في المجاملة التي هي واحدة من نتاجات السلوكيات الوجدانية. لو لاحظنا أن طفلا يسهب في المجاملة دون انضباط, فالكل عنده سواسية في الحب والتقدير والمديح, سواء كان أبا أو أما أو عما أو خالا أو حتى جارا, وهنا نعلم أن هناك خللا في مسألة ضبط العواطف والمشاعر. لا ينبغي أن تكون منزلة الأب كمنزلة العم أو منزلة الأم كمنزلة الخالة. وهنا يأتي دور الوالدين أو المربين في توجيه الطفل كي يضع لذلك ميزانا يستطيع أن يصنف البشر بناء عليه. إن هذه المنهجية هي التي سترسخ في شخصية الطفل أن هناك قدرا معينا من العواطف والمشاعر تعطى وبقدر لمن يستحقها. وبذلك فان التعبير عن المشاعر لن يكون سهلا وبالمجان, حتى إن الابتسامة كتعبير عن الوجدانيات ستكون بحساب ومعيار محدد. وعلى تلك المبادئ ينشأ الطفل بتوازن وجداني