التربية لغة: من المصدر ربا, يربو بمعنى النمو والزيادة, وهي هنا أقرب إلى النمو المادي للتربية "يمحق الله الربا ويربي الصدقات". وبمعنى قريب من ذلك قد تكون من المصدر ربى, يربي وتعني التنشئة والرعاية, وفي ذلك تقارب بين الحقيقة المادية للإنسان والمعنوية منها في آن واحد. وقد تكون من المصدر رب, يرب أي ساس يسوس ودبر أمره وأصلح شأنه, وهنا يأتي المعنى الأقرب لمقصود التربية, "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا". فالغاية العليا للتربية هي الإصلاح وتدبير الأمر أكثر من كونها مجرد نمو وتنشئة وترعرع.
أما في الاصطلاح فانه ينظر إلى التربية من عدة جوانب. فالتربية هي إعداد الإنسان الصالح. أي تهيئته كي يكون صالحا في نفسه بحيث يكون قادرا على إصلاح غيره. والتربية هي الإعداد للحياة الدنيا والآخرة, بحيث نتمكن من إخراج أفراد ناجحين في دنياهم وفالحين في أخراهم. وقد تكون التربية هي الحياة بعينها, فالحياة كما يقولون مدرسة تعد أفرادها لما ينبغي أن يكونوا له في المستقبل. ومن زاوية اجتماعية فان التربية هي عملية تكيف مع المحيط أو تكييف له, بمعنى أنها تهدف إلى تهيئته كي يكون قادرا على التأقلم ايجابيا مع كل بيئة قد يعيش فيها. ومن زاوية نفسية فان التربية هي النمو الشامل المتكامل لشخصية المتعلم بمختلف الجوانب الإيمانية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والجسمية. ومن زاوية علمية فان التربية هي عملية نقل المعارف والخبرات والمهارات من فرد إلى فرد أو من جيل إلى جيل مع تحسينها وتوسيعها. وقد تهدف التربية إلى العمل على تحقيق النفس أو الذات كهدف أعلى للتربية. وهنا ينبغي على المربين تعميق ثقة الأطفال في أنفسهم, وذلك لن يتحقق إلا إذا شعر الطفل أنه قد وصل في شتى جوانب شخصيته إلى مستوى يؤهله أن يقدم شيئا لنفسه وأهله ووطنه وأمته.
وهناك من ينظر إلى التربية على أنها فن ومهارة اكتشاف مواهب وإمكانيات وقدرات الأفراد لغرض تنميتها والاستفادة منها لصالح الفرد والمجتمع والأمة. فالتربية إذا ليست لما هو قائم وإنما هي إعداد لما يمكن أن يقوم به الطفل في المستقبل. ولن يكون ذلك إلا بمعرفة أهم المهارات التي تتميز بها شخصية الطفل من أجل العمل على صقلها وتطويرها نحو الأفضل. وربما تكون هذه المهارة في صوت جميل لقراءة القرآن وتجويده, أو مهارة الكتابة سواء في النثر أو الشعر, أو مهارة الإلقاء والخطابة أو الحديث مع الآخرين, أو مهارة الحوار والإقناع أو غيرها من المهارات التي يجب أن ينتبه لها من قبل أولياء الأمور والمربين.
نستطيع أن ننظر إلى التربية بمنظور شامل يتعلق ببناء شخصية الطفل بناء كاملا متكاملا متزنا وشاملا, فتكون بذلك "عملية تغذية وتنمية شاملة لجميع جوانب الشخصية الروحية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والجسمية, مع التأكيد على تعهد بناء الإيمان والخلق والعمل الصالح لدى الأطفال". فهي أساسا "عملية" بمعنى أنها ممارسة تطبيقية وليست مجرد تنظير. فليس شرطا من يقرأ العشرات من الكتب التربوية أن يكون ناجحا في التربية إلا أن يمارس ذلك تطبيقا عمليا. ثم إن التربية "تغذية" بمعارف ومهارات وسلوكيات غير موجودة أصلا في شخصية الطفل فيتم تغذيته بها, أو هي "تنمية" وتطوير لما هو موجود ومتأصل في الشخصية ولكنه بحاجة إلى تأكيد وترسيخ. وعلى التربية أن تكون شاملة لكل جوانب الشخصية دون أن يطغى جانب على آخر, فان طغيان الجانب الوجداني مثلا سيصنع خللا في اهتمامات الطفل النفسية, وطغيان الجانب الاجتماعي لن يساعد الفرد على بناء علاقات متوازنة مع الآخرين, وكذلك باقي الجوانب. لذلك لا بد من تناول الجوانب الرئيسية الخمسة لشخصية الطفل لمعرفة كيفية بنائها بمنهجية الشمول والاعتدال والتوازن. وسيكون ذلك في المقالات القادمة بدءا بالجانب الإيماني لشخصية الطفل.