الإيمانيات هي مجموعة من القوى الكامنة في شخصية الفرد, والتي تحركه نحو البحث عما يقربه من الله سبحانه وتعالى, من أجل السمو بالذات الإنسانية والصعود بها في معارج العالم العلوي. إذ أن الإنسان بالإيمانيات والروحانيات وحدها يستطيع أن يسمو بذاته ويرفع من قدره بين البشر. وبذلك نضمن معرفة الإنسان لحقيقة الحياة الدنيا وترفعه عما في هذه الحياة من ملذات وشهوات متعددة. إن إيمانيات الفرد تتمثل أساسا في معرفة الله وقدرته وعظمته وتعميق حبه في القلب والإيمان به وعبادته, والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر, من أجل تعميق تقواه في القلوب. ثم بعد كل هذا ضرورة معرفة الغاية من الوجود والهدف الأسمى للحياة. إن معرفة الإنسان لحقيقة الحياة الدنيا تعمق إيمانه وتساعده كي يعيش بنكهة الآخرة, وكأن عيناه ناظرتان باستمرار إلى السماء ترقب الله فترعى حدوده وتلتزم منهجه.

 

إن التربية الإيمانية كما هو معلوم تبدأ من اللحظة الأولى لميلاد الطفل. فاستحباب التأذين في الأذن اليمنى للمولود والإقامة في اليسرى ما هو إلا لترسيخ شعار هذا الدين العظيم في نفس الطفل, رغم أنه لا يفهم معاني ذلك لكنه يسمعها وتتعمق معانيها في فطرته السليمة التي فطره الله عليها, وفي عقله الباطن الذي سيسترجعها في الوقت الذي يشعر بالحاجة إليها. يقول صلى الله عليه وسلم: "افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا اله إلا الله". لتكون كلمة التوحيد أول ما يدخل أذن الطفل من الكلام, فتبث بركتها في نفسه وتحميه من مغريات الحياة المستقبلية. إننا نحتاج أن نرسخ في شخصية هذا الطفل أن الله أكبر من كل كبير وهو رب العالمين. إن هذه المعاني الإيمانية كفيلة أن تبث العزة والكبرياء في نفوس أطفالنا, فلا يعظمون غير الله ولا يخضعون إلا لله ولا يتوكلون إلا على الله.

 

إن من أوائل ما نحتاجه في مرحلة الطفولة الأولى حب الله ورسوله والقرآن الكريم. على أولياء الأمور والمربين إكثار الحديث عن الله وعظمته وقدرته المعجزة في كل مناسبة وفرصة للحديث عن ذلك. وأبسط مثال على هذا ضرورة استخدام منهج النظر في هذا الكون الفسيح بما فيه من معجزات لا تدل إلا على عظمة الخالق, وبالتالي تعميق الحب له والإكثار من ذكره الطيب, "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ..." "فلينظر الإنسان إلى طعامه ...". إن ذلك يمكن أن يكون في أي وقت يلفت الأب أو الأم انتباه الأولاد لعظمة الله وقدرته في خلق السماء وبسط الأرض وتسيير أمور الكون كله بانتظام عجيب. وهناك مسألة متعلقة بذلك وهي جنة الله التي أعدها لعباده الصالحين. وأعتقد أن هذا مدخل مناسب جدا لتأكيد حب الله في نفوس الأطفال. انه الله الذي أعد لهم هذه الجنة العظيمة. ولا يحبذ هنا وخاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل الإكثار من ذكر النار, لأن الطفل قاصر عن فهم حقيقتها خلافا للجنة التي يمكننا أن نصورها لهم تصويرا محببا لهم لفعل الخيرات. إن ذكر النار هنا ينبغي أن يكون باختصار وارتباطها بأولئك الذين ابتعدوا عن دين الله وكفروا به واعتدوا على الأوطان والمحرمات, دون التطرق لها عند أي خطأ يقوم به الطفل. وبذلك فان حب الله يترسخ في نفوس الأطفال, وهذا الحب كفيل لتقربهم من الله والالتزام بشرعه مستقبلا.